مميز
EN عربي

الفتوى رقم #3651

التاريخ: 01/08/2025
المفتي: الشيخ محمد الفحام

هل يلتقي الميت بمن مات قبله من أهله وإخوانه

التصنيف: العقيدة الإسلامية

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته شيخنا الفاضل هل الميت بعد موته يلتقي بأهله وإخوانه الذين ماتوا من قبل يعرفهم؟ وهل يلتقي أهل الخير ويتعارفون بعد موتهم، وسمعنا أيضا سيدي أن ميت الصالح يزور كل يوم الجمعة أهله في الدنيا وسمعنا ايضا أن اروح الصالحين و الأولياء لهم التصرف باذن رب العالمين ما صحة هذه المعلومات ،وسمعت ايضا يوجد الكتاب لامام السيوطي رحمه الله تعالى شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور هل من في هذا الكتاب صحيح شيخنا الفاضل 

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على سيِّدِ الخلقِ رسولِ اللهِ وآلِه وصحبِه ومَنْ والاه؛

وبعد؛ فإنَّ عالَمَ البَرْزَخِ عالَمٌ جَليلٌ مَلِيءٌ بالأَسْرارِ والأَنوارِ والأهوال، فَهوَ أَوْسَعُ مَدَىً مِنْ عالَمِ الدنيا بكثير، غيرَ أنَّ نِظامَهُ غَيْبِيٌّ، وقد أُمِرْنا بالإيمانِ به إيماناً كامِلاً لا يجوز أنْ يَعتريَهُ شَكٌّ، وهُوَ مَدْخَلٌ مِنْ مَداخِلِ النَّجاةِ يومَ الحِسابِ، وأَهلُهُ مِنَ الْمُتقين الذين ذكَرَهُمُ المولى سبحانه في مَطْلَعِ سورةِ البَقَرَةِ بقولِهِ: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون).

هذا؛ وقَدْ كَشَفَ السَّيِّدُ الأَعظَمُ صلى الله عليه وسلم عن الكثيرِ مِنْ حَقائِقِها منها؛ قولُهُ عليه الصلاةُ والسلامُ فيما أخرَجَهُ الطبرانيُّ في الأَوسَطِ مِنْ حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ تعالى عنه قال: خَرَجْنا مع رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسَلَّمَ في جِنازَةٍ، فَجَلَسَ إلى قَبْرٍ، فقال: «ما يأْتِي على هذا القَبرِ مِنْ يومٍ إلَّا وَهُوَ يُنادِي بِصَوْتٍ طَلْقٍ ذَلِقٍ -بَليغٍ- يا ابنَ آدمَ! كيفَ نَسِيتَني؟ أَلَمْ تَعلَمْ أني بيتُ الوَحْدَةِ؟ وبَيْتُ الغُرْبَةِ؟ وبَيْتُ الوَحْشَةِ؟ وبَيْتُ الدُّودِ؟ وبَيْتُ الضِّيقِ، إلَّا مَنْ وَسَّعَني اللهُ عليه»، ثم قالَ صلى الله عليه وسلم: «القبرُ إمَّا رَوْضَةٌ من رياض الجنةِ، أو حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّار»

أما سؤالُكَ عنْ لِقاءِ الْمَيْتِ بغيره ممن سبقه، فَقَدْ وَرَدَ العديدُ مِنَ الأحاديثِ مُخْتَلِفَةِ المراتِبِ تُشيرُ إلى هذه الحقيقةِ منها؛ ما رواه الحاكم عن الحَسَنِ مُرْسَلاً صحيحاً قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذا ماتَ العَبْد تَلْقَى روحُهُ أرواحَ المؤمِنينَ، فَيقُولونَ له: ما فَعَلَ فُلانٌ؟ فإذا قال ماتَ قبلي قالوا: ذُهِبَ به إلى أُمِّهِ الهاوِيَةِ، فَبِئْسَتِ الأمُّ، وبئست المربية» ويقصد بالأم الهاوية ما جاء في البيان الإلهي في سورة القارعة: (فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٌ* وَمَا أَدرَىٰكَ مَا هِيَه* نَارٌ حَامِيَةُ)

وأخرجَ ابنُ أبي الدنيا عن ثابِتٍ البُناني -وهو تابِعِيٌّ جليلٌ مِنْ تلاميذِ سيدِنا أنس- قال: بَلَغَنا أَنَّ الْمَيْتَ إذا ماتَ، احْتَوَشَتْهُ أَهلُهُ وأقارِبُهُ الذينَ قد تَقَدَّمُوهُ مِنَ الموتى ، فَلَهُوَ أَفْرَحُ بهم، ولَهُمْ أَفْرَحُ به مِنَ المسافِرِ إذا قَدِمَ إلى أَهلِهِ.    

وأَما عنْ تَزاور الأرواحِ وتلاقِيها ففي كتابِ الرُّوحِ لابنِ القَيِّمِ كَما نَقَلَ عنه الإمامُ السيوطِيُّ رضي الله تعالى عنه في شرح الصدور: الأرواحُ قِسْمانِ؛ مُنَعَّمَةٌ، ومُعَذَّبَةٌ، فَأَمَّا الْمُعَذَّبَةُ، فَهِي في شُغْلٍ عن التَّزاوُرِ والتَّلاقِي، وأَمَّا الْمُنَعَّمَةُ الْمُرْسَلَةُ غيرُ الْمَحْبُوسَةِ، فَتَتَلاقَى، وتَتزاوَرُ، وتَتذاكَرُ ما كانَ منها في الدنيا، وما يكونُ مِنْ أهلِ الدُّنيا، فَتكونُ كُلُّ رُوحٍ معَ رفيقِها الذي هو على مِثْلِ عَمَلِها، وروحُ نَبِيِّنا صلى الله عليه وسلم في الرفيقِ الأَعلَى، قال تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)، وهذه المعيَّةُ ثابِتَةٌ في الدنيا، وفي دارِ البَرزَخِ، وفي دارِ الجَزاءِ، والمرءُ معَ مَنْ أَحَبَّ في هذه الدُّورِ الثَّلاثةِ.

وأمَّا عن زيارةِ الأرواحِ للأحياءِ فَشَواهِدُهُ لا تَنْتَهِي لا سيَّما في الرُّؤيا والواقع يُثْبِتُهُ؛ أعلاها رؤيا الحبيبِ الأَعظَمِ صلى الله عليه وسلم

قلت: إنَّ الكلامَ عن عوالِمِ الأرواحِ وزياراتِها بعدَ الموتِ لا يَنْتَهِي فَأَبْوابُهُ كَثيرةٌ وفُصُولُهُ أكثرُ وتفريعاتُهُ أَغْزَرُ وما أشارَ إلى مِثْلِ ذلكَ الإمامُ السُّيُوطِي في كتابِهِ النَّافِعِ {شَرْحِ الصُّدورِ} جُزْءٌ مِنْ كُلٍّ، وقليلٌ مِنْ كثيرٍ، وكَمٍّ مِنْ غَزيرٍ، وعليه؛ فَلا مانِعَ مِنِ اسْتِعْراضِ فُصُولِ ذلكَ الكتابِ شَريطةَ أَنْ تكونَ طَبْعَتُهُ مُحَقَّقَّةً مُخَرَّجَةَ الأَدِلَّةِ مِنْ قِبَلِ أَهلِ الاخْتِصاصِ لِمَعرِفَةِ درجةِ كُلِّ رِوايةٍ تَخريجاً وتَحْريراً. فلعلك تجد فيه جواباً لِكُلِّ سُؤالٍ، وتوضيحاً لِكُلِّ اسْتِفْسارٍ، وحَلّاً لِكُلِّ إِشْكالٍ، ولا مانِعَ مِنَ الاسْتِعانَةِ بِكِتابِ الرُّوحِ لابْنِ القَيِّم الذي رَتَّبَهُ الإمامُ البُقاعِي، وهَذَّبَهُ وبَوَّبَهُ، ثم اعْتَنَى به العالِمُ الفَقِيهُ الْمُحَقِّقُ الشيخُ عبدُ الجليل عَطا حَفَظَهُ اللهُ تعالى وأَدامَ نَفْعَهُ، كَذلِكَ تَجِدْ فيه ما يَسُرُّكَ ويُثْلِجُ صَدْرَكَ، فالكتابانِ مُكمِّلانِ لِلمادَّةِ -القاسَمِ الْمُشْرَكِ- بينَ حالِ أَهلِ القُبُورِ وأَسْرارِ الرُّوحِ العَجِيبَةِ التي هيَ سِرُّ الحياةِ، والتي أبقاها اللهُ تعالى بلا فناء لحكمةٍ أرادَها سبحانه كما أشارَ إلى ذلك علماءُ التوحيدِ.      

وفَّقَكَ اللهُ تعالى وَرَعاكَ وأَنْزَلَ السَّكِينَةَ على قَلْبِكَ وجَعَلَني وإيَّاكَ أَهلاً لِلْحَشْرِ مع أَوْلياءِ الأُمَّةِ في رِكابِ سيِّدنا الحبيبِ الأعظَمِ عليه الصلاةُ والسَّلامُ في عِلِّيِّيْنَ آمين.

ولا تَنْسَنِي مِنْ صالِحِ دعائك.