

الفتوى رقم #3652
ضوابط الحب في الله
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما حكم التعلق بين الصحبة في الله؟ وماذا يفعل من يريد أن يقلل التعلق؟ حقيقةً أود شيء يستطيع شخص من أجهل وأضعف وأحقر وأفقر الناس لله.. يستطيع العمل والأخذ به فمن بحثت لديهم عن إجابة وجدت فيها شيء من مخاطبة البشر ذوي الأنفس المزكاة وكان كذلك في الإجابة ما يجعل كأن ليس للمشاعر مكان وقد يصل الأمر لعدم حفظ المودة والفضل الذي بين الصحبة فكانوا بين افراط وتفريط أرجو مخاطبتي بمفردات سهلة والعفو إن كان في لهجة خطابي شيء من إساءة الأدب أريد ما يصلح قلبي ونفسي ويداوي قلبي الموجوع خاصة أنه يرى صعوبة وغصة وتحامل على النفس أود حفظ ما بيننا لكن لا أود أن يبقى التعلق في إزدياد هذا وقد قرأت "من تعلق بغير الله عُذب به" او شيء بهذا المعنى وهذا ما أجده والتعلق وإن لم يحصل مواقف بين الطرفين إلا أن التعلق بذاته يسبب الألم غير ألم الخوف على الشخص وكثرة تفقده ووو وحقيقة هذا الشعور بدأ يجعلني أشعر أن بي خطب.. الخوف والتعلق الذي أشعره جعلني اظن انه اصبح بي مرضٌ نفسي(وأرجو أن لا ترشدوني للأطباء فالوضع لا يسمح لي بذلك ولا استطيع سؤال غيركم) فأنتم بعد الله.. أملي في إيجاد حل فأرشدوني ووجهوني وسامحوني على الإطالة
الجواب
بسم الله والحمدُ لله والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِ الخَلْقِ رسولِ اللهِ وآلِهِ وصَحْبِهِ ومَنْ والاه ؛ فَإِنَّ التَّعَلُّقَ الْمَذْمُومَ الذي تخشاه إنما هو ما يَغْدُو عائقاً عَمَّا خُلِقَ العَبْدُ لِأَجْلِهِ. وهو الحُبُّ لِذاتِ الشَّخْصِ لا لذات اللهِ تعالى كَمَا هو ظاهِرٌ واضِحٌ في قولِ النَّبيِّ الكريمِ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصحيحِ: «ورَجُلانِ تَحابَّا في اللهِ اجْتَمَعا عليه وتَفَرَّقا عليه..»، ومَعْنَى في اللهِ أي: لِأَجْلِهِ لا لِشِيءٍ سِواهُ أو غَرَضٍ مِنْ هَوىً أو مَصْلَحَةٍ، فَإِنِ اخْتَلَّ ذلِكَ الْمَعْنَى لَزِمَ التَّوَجُّهُ إلى البَديلِ مِنَ العِلاجِ النَّاجِعِ الْمُزيلِ لِلْحِجابِ الظُّلماني الحائلِ بينَ العبدِ ورَبِّهِ والذي بِدايَتُهُ البُعْدُ عن ذلِكَ الشَّاغِلِ حِسَّاً ومَعنىً لِتْخِلَيِة القَلْبِ، ثم للتحلية عَبْرَ صُحْبَةِ الصالحين في مجالسِهِمُ الرَّبانِيَّةِ الأُنْسِيَّةِ، وكَثْرَةِ الأَذكارِ والدُّعاءِ والرَّجاءِ والإكثار من الصلاةِ والسلامِ المختار صلى الله عليه وسلم تلكَ التي جَعَلَها اللهُ تعالى مَدْخَلَ تَفْريجٍ لِلْكُرُباتِ ما يُوَلِّدُ أَنوارَ الحُبِّ له صلى الله عليه وسلم ذلِكَ الحُب الفريد الذي مَهْما تَوَسَّعَتْ دائِرَتُهُ فلا تَزيدُ صاحبَها الْمُحِبَّ إلَّا نُوراً عِرفانِيا باللهِ تعالى، والسِّرُّ في ذلِكَ أَنَّ حُبَّهُ لَمَّا كانَ شرطاً لِكَمالِ الإيمان كان لِلْمُحِبِّ صُمَّامَ أَمانٍ؛ دَليلُنا على ذلكَ هو حالُ الصَّحابةِ كُلِّهم بلا اسْتِثْناءٍ أَنَّ حُبَّهم الغامِرَ لِلْحَبيبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يَزِدْهُم إلَّا قُوةً إِيمانِيَّةً تُرَقِّي إلى مِعْراجِ الْمَعارفِ بالإحْسانِ، والشَّاهِدُ على ذلِكَ كُلِّهِ قولُهُ عليه الصلاةُ والسَّلامُ في الحديثِ الصحيح: «لا يُؤُمِنُ أَحَدُكُمْ حتى أَكونَ أَحَبَّ إليهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوالِدِهِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ» عندَها يَظْهَرُ الفَرْقُ وتَتَجَلَّى العافِيَةُ ويَذوبُ الْمُخَوِّفُ كُلُّهُ وذلِكَ بِيَقَظَةِ القَلْبِ لِحُبِّ الرَّبِّ سبحانه وتعالى.
أقول: وليس الحُبُّ الإلهيُّ أمْراً بَعِيدَ الْمَنالِ، بَلْ إنَّ مَنْ يَتَدَبَّرْ -بشهودِ البَصيرةِ- النِّعَمَ الإلهيَّةَ الْمُتَلَبِّسَ بها والتي لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى يُدْرِكْ بِمَجْبولِ النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ حُبَّ النفس ِلِمَنْ أَحْسَنَ إليها، ومعلومٌ أنَّه لا مُحْسِنَ على الحَقِيقةِ سِواهُ سبحانَه وتعالى. لذا تَجِدُ جِلاءَ ذلِكَ في بَيانِ اللهِ الجليل: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلَّهِۗ) البقرة/١٦٥
لاحظ ؟! (والَّذِيْنَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبَّاً للهِ) أي: بعنصرِ الإيمانِ، وعليه؛ فَكُلُّ أَمْرٍ إِلهيٍّ هو مادَّةُ الحُبِّ الخالِصِ الذي يُحَقِّقُ التَّوازُنَ في قَلبِ العبدِ مع أَنواعِ الْمَظاهِرِ الْمَفْروضَةِ بينَ يَدَيْهِ وذلِكَ بِعُنْصُرِ نورِ الإيمانِ باللهِ تعالى الْمُتَجدِّدِ عَبْرَ الذِّكْرِ والصُّحْبَةِ الصالِحَةِ والْمُذاكَرَةِ الدَّائمَةِ مع الربانيين والحوار معهم لكل سؤال واستفسار.
ثم إنَّ العاقِلَ بِقَلِيلٍ مِنَ التَّأَمُّلِ لا يَخْفَى عليه أَنَّ مَنْ حُجِبَ بِهِ عن اللهِ تعالى لا يَمْلِكُ أَنْ يَرُدَّ إليه أَيَّ نِعْمةٍ تُسْلَبُ منه، بلِ الرُّجوعُ إلى خالِقِ النِّعمةِ لِطَلَبِ العافِيَةِ هو الأَصْلُ والأَساسُ قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِي ٱلۡبَحۡرِ ضَلَّ مَن تَدۡعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ كَفُورًا) الإسراء/٦٧
وعِزَّةِ اللهِ وعَظَمَتِهِ وجَلالِ قَدْرِهِ لا يُرَدُّ عن العافِيَةِ ومَساراتِها مَنْ يُقْبِلُ على اللهِ تعالى بإخلاصِ النِّيَّةِ وصِدْقِ الطَّوِيَّةِ، بل إني لَعَلَى يَقِينٍ أَنَّه سَيَغْدُو بذلِكَ هو المنهجَ الراشِدَ والأُسْوَةَ الصالِحَةَ الفالحةَ التي تُؤَثِّرُ بِنظامِ الخيرِ، ولا تَتَأَثَّرُ بالأَغيارِ ذوي الوساوسِ الشَّيْطانية، والْمَطالِبِ الشَّهَوِيَّةِ.
وفَقكَ الله تعالى لِتَحْقِيقِ الْمرادِ بِحُرْمَةِ سيِّدِ العبادِ آمين. ولا تَنْسَني مِنْ دَعَواتِكَ الصالحات.