مميز
EN عربي

الفتوى رقم #3653

التاريخ: 01/08/2025
المفتي: الشيخ محمد الفحام

لمن يلتبس عليه مفهوم توقير العبد بمفهوم عبادة الله تعالى

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم يا سادتي ما معنى العبادة وكيف نفرق بين الطاعة للخلق وبين عبادة الخلق أي ما هو الذي يجعل فيه الطاعة عبادة وفي اي سياق تصبح الطاعة عبادة انها اسئلة جائت بعد نقاشي مع من يتهم الصوفية بالشرك قالو المشركين يومنون بأن اللّٰه خالق ورازق لكن لا يعبدون غيره فما هي العبادة اذا؟ اتمنى أن تعطوني تعريفا كاملا عسى أن يسد اللّٰه به كل مداخل الوهم على من يعرفه 

الجواب

وعليكم السلامُ ورحمةُ اللهِ تعالى وبركاتُه؛ سيدي الكَريم بدايةً أَسأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرْزُقَنا فَهْمَ سَلَفِ الأُمَّةِ أئمةِ الهُدى مِنَ الصحابةِ والتابِعينَ والأَرْبَعَةِ المجتهدينَ والعُلماءِ العاملين والأولياء الْمُقَرَّبِينَ كالجُنَيْدِ والسَّرِيِّ السَّقَطِي وداوود الطائي ومعروفٍ الكَرْخي والفضيل ابن عياض الذين سَطَّروا على جَبِينِ تاريخ الأجيال صفحاتٍ مباركاتٍ طَيِّبات؛

ثم أما بعد، فإنَّ قَضِيَّةَ العبادَةِ مَرْهونَةٌ بقواعِدِ الشَّرْعِ التَّكْليفيَّة مِنَ الأوامِرِ والنَّواهي التي خاطَبَ بها المولى الجليلُ عبادَهُ عَبْرَ الوَحْيِ الْمُنْزَلِ على نَبِيِّهِ المرسل صلى الله عليه وسلم من البيان القرآني والهدي النبوي، فبالاسْتقراءِ الْمَوْضُوعِيِّ هل تجدُ أوامِرَ اللهِ تعالى -عبادةً- مقصورةً على العباداتِ الخاصَّة كالصلاةِ والزكاة والصيامِ والحَجِّ، أَمْ أَنَّها مُتَنَوِّعَة ؟ ! فَأَلْقِ السَّمْعَ معي لبيان الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غفوا رحيم) المزمل/٢٠ ، ثم قِفْ وِقْفَةَ تَأَمُّلٍ عند قوله تعالى: (وأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) مع تفسيرِ ابنِ عباسٍ رضي الله هنهما القائل: يريد الله -أي بها- سِوى الزكاةِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وقِرى الضَّيْفِ ...الخ، ثم قال: نَفْعاً لِلْفُقَراءِ. ، ومراعاة النية، والإخلاص، وابتغاء مرضاة الله تعالى. فَهْل هذا مَمْنُوعٌ وقَدْ أَثْبَتَهُ الشَّرْعُ، فالآمِرُ اللهُ تعالى والعامِلُ بِشَرْطِِ النيَّةِ الخالِصَةِ نَفْعاً لِلعِبادِ الْمَأمُورُ الْمُكَلَّفُ، فَالْمُعَوَّلُ عليه في أيِّ عَمَلٍ خَيْريٍّ النِّيَّةُ الخالِصَةُ، وعليه؛ فَيَشْمَلُ كُلَّ عَمَلٍ بِفَتْحِ بابِ الخيراتِ والْمَبَراتِ ما يُعِينُ به الأَخُ أخاهُ لِوَجْهِ اللهِ تعالى في أيٍّ مِنَ الْمَساعِي الفاتحةِ لِأَبوابَ الْمَرْضِيَّاتِ لِرَبِّ السموات قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) الحج/٧٧ ، فتقرر أن كل عمل نافع هو من الخيرات المباركات التي يؤجر عليها المكلَّفُ ألا تَرى مَعِي أنه بِما أَنَّ الآمِرَ اللهُ تعالى عَلَيْنا فَعلُ الخيرِ بِكُلِّ سبيلٍ مُوصِلٍ إلى اللهِ تعالى، ولكِنَّ السُّؤالَ هنا؛ تُرى عَبْرَ أيِّ شيءٍ يَكونُ فِعْلُ الخيرِ؟ هل هناكَ مَدْخَلٌ سِوى مَظاهِرِ خَلْقِه سبحانَهُ بِخِدْمَةٍ وتَعاوُنٍ وتَعاضُدٍ ونَفْعٍ مِنْ خِلالِ رَبْطِ الأسبابِ بِمُسَبَّباتِها توكلاً على الْمُسَبِّبِ وهو الخالِقُ العَظِيمُ.

مِنْ هنا تَتَجَلَّى تلكَ الْمَعاني بأَكْمَلِها في شمائلِ الحَبيبِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم القولِيَّةِ تلك المترجمَة بالفعليَّةِ كقولِهِ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصحيح: «المؤمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كالبُنْيانِ يَشُدُّ بعضُهُ بَعضاً» المؤمِنُ لِلْمُؤْمِنِ بِخِدْمَتِهما وعَوْنِهِما لِبَعْضِهما عَبْرَ رَبْطِ الأسبابِ والْمُسَبَّبات والوسائط الْمَشروعَةِ في الكتابِ والسُّنَّةِ للهِ ومِنْ أَجْلِ مرضاتِهِ شِرْكٌ؟ ، فإنْ كان هذا هو الشرك فَمَا هو التوحيد ؟؟؟

خبرني بربك عَمَّنْ يُطَبِّقُ أَمْرَ الآمِرِ مثلاً في زيارَةِ قَبْرَ أَخِيه وقَدْ فَعَلَها رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسَلَّمَ، بَلْ وَسَلَّمَ على أخِيه في بَرْزَخِهِ هل يكونُ ذلك الالتزام شركا، وخَبِّرني عَمَّنْ يَتَوَسَّلُ إلى اللهِ تعالى بصالِحِي عبادِهِ سائلاً إياهُ سبحانه لا سواه مِنْ بابِ أَحبابِهِ وهو القائلُ سبحانَه: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون) هل يكون ذلك شركاً وقد أَثْبَتَ الوَسيلةَ عَزَّ وَجَلَّ في بَيانِهِ الذي يُتَعَبَّدُ به إلى قيامِ السَّاعَةِ. والكلامُ في ذلك طَويلُ الباع كثير الأدلة، غَيرَ أني أقول: وَعِزَّةِ الواحِدِ الأَحَدَ ما مِنْ عَمَلٍ يأتي عليه أولئكَ الصالحونَ إلَّا ويُقابِلُهُ دَليلٌ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، ولكنَّ الْمُشكِلَةَ في جَهْلِنا العِلْمَ بالشيءِ أصلاً، أو في فَهْمِنا الْمَقْلوبِ لِلْمَعْلومِ مِنَ الدَّليل، وخُذْ على ذلك مِثالاً حَيَّاً؛ جاءني أحدُهُمْ يوماً بأسلوبٍ هُجومِيٍّ أخرق ينيح باللائمة عليَّ قائلاً: أنتُمْ أصحابُ الغُلُوِّ في تعظيمِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسَلَّمَ، فَأَجَبْتُهُ بسؤالٍ: إذَنْ فَالتَعظِيمُ لا يجوزُ، فَسارَعَ بالجوابِ نَفْياً دونَ تَفَكُّرٍ نَعَمْ لا يجوزُ، فقلتُ لَهُ: بل يجوزُ والأدلة على ذلك أكثرُ من أن تحصى وتحصر؛ منها ما تَحْفَظُهُ عن ظَهْرِ قَلْبٍ، فظهرت آثار الاستغراب عليه، ثم قال: مستحيل ظَنَّاً مِنْهُ أَنَّني أَحتالُ عليه، فَقُلْتُ: بلى واللهِ أَلا تَحْفَظُ قولَهُ تعالى: (ورفعنا لك ذكرك) قال: نعم، فَسأَلْتُهُ فــ (نا) في (ورفعنا) نا الجماعة -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- أم (نا) التَّعْظيمِ فَأجابَ مَقْهوراً: بل (نا) التعظيم، فسألته على الاستفهام التقريري: وهل يعظم الله نفسه إلا حيال عظيم؟؟

عندَها قُلْتُ له: اعلم أنَّهُ ليستِ الْمُصيبةُ في الاسْتِفْسارِ أو السؤال، أو الحوار، ولكنَّ الْمُصيبةَ في حَمْلِ الدليل مع جَهْلِنا بمقصده عبر سطحية الفهمِ.

فاطْمَئِنَّ بالاً يا سيدي! وربِّك إنَّ ما عليهِ المحقِّقونَ مِنَ الرَّبانِيينَ ساداتنا الصوفية الفقهاء ذوي العقيدة السليمة في أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم على بَيِّنَةٍ ودليلٍ، لِذا فَأَسأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَحْشُرنا مَحْشَرَهُمْ تحتَ لِواءِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صلى الله عليه وسلم.  آمين

ولا تنس أن تخصني بدعواتك المباركات